والله زمان يا عيد زمان..
حين كنا صغارا ، كنا نعيش أعيادا مختلفة..أعياد مليئة بالقبل على أيدي الكبار وعلى رؤوس الآباء و الأمهات ، وتستهوينا الجولات على الأقارب قريبهم و بعيدهم لعلنا نجمع ما يمكننا مساء من دخول السينما التي نعيش فيها أحلاما صينية قديمة مع بروس لي و رفاقه.. ولازالت رؤوسنا تحمل في ثنايا ذاكرتها تلك اللحظات التي نخرج فيها من القاعة منتفخي الصدور كديكة رهان فرنسية .. ونتمنى في قرارة نفوسنا أن يغضبنا أحدهم لكي نطبق على جسده درس اليوم في الكراطي .. ولا نكاد نستفيق إلا إذا ’’قلبنا’’ ذلك الأحدهم بسلخة نستفيق بها ونعود إلى الواقع..
إنه حلم صيني نعيشه في الأعياد فقط ، ونأسف كثيرا إن قامت قاعة السينما ببرمجة فيلم هندي لا نفهم منه سوى ألوان الزهور و أغاني فتيات بومباي.. ولكننا في زحمة العيد نفرح بلعبة موحدة ، حققت بها الصين وحدة فقراء المغرب إن لم نقل العرب جميعا..
رغم ما يبدو عليه الأمر من هامشية ، فإنه ذو معنى ، فأغلبنا يتذكر تلك اللعبة الوحيدة التي يأتينا بها آباؤنا كل عيد أو كل فرصة سانحة لإدخال البهجة علينا.. إنها ذلك القط الجميل و العادي كذلك الذي يختزل مخيلتنا في الكرة الملتصقة أمامه!!
تذكروه معي .. ياه يا زمان..!!
القط الجميل ذاك ، الحامل لكرة ملتصقة و الذي يتحرك من خلال عجلتين خلفيتين ، كان يحرك مخيلتنا من خلال التفكير الدائم في علاقته الوطيدة بتلك الكرة ، حتى أنه ربانا من حيث لا نشعر بالإستئناس بالقطط التي أصبحت تملؤنا سعادة إن رمينا لها بكبة صوف أشبه بالكرة..
وفي غمرة اللعب ، لانتوقف عن التساؤل عن عبقرية صانعه ، الشبيه ببروس لي ، الذي جعل التصاقه بالكرة مسألة حياة أو موت ، نحن الذين نستنفر كل عبقريتنا و همجيتنا في آن لكي ننزع تلك الكرة بعد الملل من القط كي نستعملها في لعبة أخرى بشكل منفصل..
إنها مسألة حياة أو موت فعلا ، فبمجرد ما ننزع الكرة حتى يصبح القط بلا معنى أو فائدة ، مشلولا ، تافها ، صالحا للرمي في بيت الخزين إلى أن نصدقه على مسكين اكثر منا فقرا !!
و الكرة كذلك ، ليست كرة بالمرة ، فما إن تنزعها من القط حتى تبدو على حقيقتها كرة مثقوبة معوجة غير صالحة سوى للإهمال و مثيرة للشفقة على القط المفقود و اللعبة المهملة في انتظار عيد آخر و لعبة جديدة..
لم تكن الخيارات كثيرة أمام آبائنا ، اثنان لا ثالث لهما ، إما دراجة هوائية صغيرة صنعت في الصين أيضا ، غالية حينها ، أو العودة الى شراء قط صيني آخر لكن بلون مختلف عن القط السابق المهمل المنسي القاعد دون حركة أو كرة ..
تصاب بالخيبة ، نعم ، حين يدخل عليك أحد أبويك حاملا قطا من نفس الفصيلة ، لكنك تدخل متاهة الفرحة حين تجده قطا أصفر بكرة خضراء عكس سابقه الأخضر بكرة صفراء!!
و الله زمان ياعيد زمان !! كانت الفرحة بسيطة و الأحلام بسيطة و الطفولة تعاش وفق حلم صنعته حضارة صينية تنمو إلى أن تجاوزت نظيراتها ، و تخلت بهدوء عن القط الملون الذي لا يتحرك إلا إذا حركته ، و لا يمنحك ما يمتلكه إلا إذا مامات دونه.. القط الذي دوخنا سنوات في لعبة البحث عن قطط مغربية ملونة تجيد لعب كرة القدم..!!
medmarakchi@yahoo.fr