لعل ما "يعانيه" الانسان عادة من عدم تقبل التغيير في انماط العمل و الانتاج و العيش في نهاية المطاف وراء ما لا يتقبله العقل في البداية مع كل "مفاجاة" تمس وضعه! إنها شبه عادة اوطبيعة إنسانية ،و إن كانت عندنا متمظهرة بشكل جلي و أكثر وضوحا..
لا نعتقد ان الخبر الذي تناقلته وكالات الانباء و الصحف و المواقع الالكترونية نهاية الاسبوع الماضي عن بيع صحيفة الواشنطن بوست الامريكية العريقة قد حاز على اهمية المغاربة ، و السبب أولا أن الواشنطن بوست "بعيدة "عنا و عن اهتماماتنا -إلا في مانذر و قل من المهتمين- ،بينما السبب الأهم أن القراءة بشكل عام ليست هما مغربيا بالمرة سواء تقليدية أو الكترونية!
شئنا أم أبينا ،و حتى لو أخذتنا العزة و النفس على مجتمعنا و مواطنينا ،فإننا نصدق - ولو في دواخلنا - أننا شعب لا يقرأ ! بل لا يريد ان يقرأ!! ولنا أن نتذكر المشروع الرائع و الخالد الذي قاده الصحافي المخضرم خالد مشبال ذات يوم في وكالة"شراع"حيث اتخذ شعارا له "من اجل مجتمع قارئ"..لكنه ،ورغم بساطة ثمن بيع الكتيب المنتظم ، أوقف المشروع لأن المجتمع لا يريد أن يقرأ!!!
هي ليست مشكلتنا لوحدنا ،فأزمة الواشنطن بوست هي بسبب تراجع المبيعات الورقية مما جعل العائلة التي أدارتها 80عاما (تسأم) وتبيعها لعملاق أمازون الميلياردير الالكتروني في البيع عبر الانترنيت جيف بيزوس (الصورة).. لكن ،وحتى لا نعتقد اننا على صواب لدرجة أن الامريكيين ساروا أخيرا على درب "اللاقراءة" الذي اكتشفناه منذ زمن(!) ، فإنه لامجال لتخيل أن هذه العدوى انتقلت عبر الأطلسي من بلادنا إلى شعب العم سام! إنهم ببساطة صغيرة غيروا عادات قراءتهم ،و شرائهم ،واستهلاكهم شيئا فشيئا تجاه الانترنيت..وهو ماجعل الصحف العريقة تجد صعوبة في بيع منتوجاتها الخبرية و الصحفية فانفتحت على مايريده الناس مرغمة لتتوجه إلى صفحات الويب!
الفكرة قد تنجح وقد تفشل ،يعني أن هناك احتمالين في نهاية المطاف أمام مغامرة التحول من الورقي إلى النشر الالكتروني المؤدى عنه ،لكني أكاد اجزم أن الأمر لا يحتمل أكثر من احتمال واحد عندنا إن نحن فكرنا في استنساخ التجربة:الفشل! فنحن -في غالبنا الأعم-لانواظب على اقتناء الجرائد الورقية ،والنجاح الذي تعيشه المواقع الالكترونية نجاح زائف ومؤقت لأنها مجانية الولوج إلى خدماتها الاعلامية!
تحول الواشنطن بوست و ما قبلها و ما سيليها من الصحافة العالمية إلى الالكتروني درس يوضح مدى بعدنا عن المجرة التي يدور العالم في فلكها،ودرس على أن التغيير صعب في البداية حتى بالنسبة لمن لديه تقاليد نشر وقراءة عريقين ،فمابالك بشعوب لاتقرأ و لاتريد أن تقرأ ،و إن كانت القراءة بالمقابل فهي حتما لن تقرأ!!
لذلك ،لن نستوعب تحول الواشنطن بوست مثلما لم نستوعب أننا يجب أن نتغير!
medmarakchi@yahoo.fr
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة لابد منها:
لدينا مئات الآلاف من أطر التعليم ، و مئات الآلاف من موظفي القطاعين العام و الخاص ومئات آلاف "الخلايا النائمة" من المتعلمين الذين لا يصمتون من"الفهامة" في المجالس و المقاهي ، ومع ذلك لاتصل الجرائد المغربية كاملة إلى تسويق مائة ألف نسخة يوميا.. وأغلب هؤلاء لا يقرأ ولو كتابا واحدا في السنة!!!!