حين ترى
الوراقات و محلات النسخ (فوطوكوبي) في هذه الايام فإنك تحس بدهشة مفاجئة تعتريك
للوهلة الأولى ، فتظن أن صحوة فكرية أو ثقافية ما ألمت بشبابنا دفعة واحدة !! قد تحلم للحظات بذاك المجتمع
القارئ الذي حلم به مثقفونا السابقون و اللاحقون في زمن اللاوسائط المتعددة ،حيث
القراءة هي الفعل الممكن الوحيد لنهل المعرفة !!
تحلم ، وتخمن أنهم ربما عادوا إلى أيام دراستك
حيث كنت تنسخ ما تيسر من الكتب النادرة ،أو المقالات المهمة أو حتى قصائد شعر
لدرويش أو نزار… تود لوتستمر في الحلم ،لكن هول الواقع يوقظك !!
تقارن المشهد مع الخبر الذي وصلك عن صدور نسخة
عربية هي الطبعة السابعة و الاربعون من كتاب: المخ البشرى(بين الانتاج و الاستهلاك
و الخواء) للمؤلفة و المحاضرة المرموقة فيرا بركينبيل ، وهو كتاب مـَعْلمة ، يحمل
كثيرا من الافكار التي صمدت أمام العلم و تجاربه عن مخ الانسان ..
لنتصور فقط: أن هذا الكتاب بيع من نسخه
الالمانية فقط ما يقارب النصف مليون ، كما بلغ إجمالي مبيعات كتبه و أقراصه
المدمجة ثلاثة ملايين نسخة إلى حدود 2007 فقط !
إنما ، و إن كانت السيدة بركينبيل قد حققت كل
النجاح الذي يجعل المتتبعين لها بعشرات الآلاف الذين يحجون إلى محاضراتها القيمة و
يستمعون إلى برامجها عن الأعمال المناسبة للمخ و دراسة عوامل النجاح والفشل وطرق مواجهة
الضغط والتوتر والتغلب عليهما و تدريب مخ الانسان من خلال ما سمته الحصول على
المعلومة اعتمادا على الترفيه، فإن الكثير منا قد يجزم أن نظرياتها و دراستها للمخ
البشري كانت ناقصة !!
أعتقد أن المخ المغربي له - كما السياسة في هذا البلد - خصوصيات تجعله متفردا جدا ، حيث
انه في تنازل منذ ما اكتشفه العلامة عبد الله كنون من نبوغ وحتى ما اكتشفْتـَه
أمام آلات النسخ ، حيث التزاحم من اجل نسخ و تصغير ما تيسر من الكتب المدرسية و
النسخ المكتوبة من ملخصات دروس البكالوريا !
لو أن السيدة بركينبيل علمت بهذا الكم من
اللاإنتاج و الاستهلاك المريع لما لم يدخل للمخ المغربي الجديد و الخواء الذي يسمع
صفيره في أدمغة كثير من شباب بلادنا ، لكانت قد استماتت في التعرف إلى هذا المخ
المعجزة الذي يستميت بدوره في أن يبقى نظيفا !!!
ومن يدري ، فقد نصبح شعبا غنيا في قادم العصور
، فالمخ الخاوي ثمنه غال... كما تقول النكتة المغربية عن الدماغ المغربي الجديد !!